Khamis, 4 Februari 2010

أنور إبراهيم ...... كفاح مستمر





استأنفت بالأمس الأول المحاكمة الشكلية والهازلة في حق الزعيم المحنك المفلق السيد أنور إبراهيم زعيم المعارضة بماليزيا بعد المماطلة دامت لأكثر من سنة. تأتي هذه المحاكمة هي الثانية بمثلها التي تعرض لها أنور قبل اثنتي عشرة سنة والتي أخضعته في غيابات السجن بتهمة الشذوذ الجنسي والفساد الإداري .

اللجوء إلى المحكمة عادة هو الخيار الأخير لإسقاط الخصوم وإبعاده عن ممارسة النشاط السياسي في بلادنا نظرا إلى العرف السائدة لدى مجتمع ماليزي أن التصفية الجسدية تأباها وتعفها النفس ليست كما في بعض البلدان المجاورة والنائية، غير أن التصفية من هذا القبيل قد سادت وتفشت في عهد الرئيس العتيد محاضير بن محمد وانجرت إلى عهد الرئيس المستحوزة عليه قرينته من غير هوادة.

ويرى الجميع أن المحاكمة غرضها إدانة المتهم وإلحاقه إلى العزلة الجسدية الأبدية - إذا صح التعبير - عن مرئ المجتمع ريثما تهدأ الثورة الانتخابية التي قادها السيد أنور إبراهيم لتنقلب الحكومة الفردية إلى الحكومة الشعبية تيمنا و يقينا منهم أن الرأس إذا أبعد عن الجسد فيبقى هشيما تزروه الرياح.

شخصـية لا تقــهر

ولعل الحكومة قد ارتكبت خطأ فادحة حين فتحت الزنزنة بين مصراعيها ليعود أنور إلى الشعب مجددا بعد أن طال انتظارهم ونفد اشتياقهم ظنا منهم أن الأسد المنسي قد استؤصلت شوكته وبترت مخالبه وسحبت أنيابه فأصبح هرا أليفا لا يتأسد أبدا وإن وثب وهاجم فإنه لا يخرج عن كونه هرا يحكي انتفاخا صولة الأسد.

لكن أنور إنسان عظيم بكل معنى الكلمة، كرس حياته مناهضا لمصالح الشعب قاطبة ضد الفساد والطغيان، ولا يريد يوما المصالح لنفسه كما لا يحمل الحقد على الآخرين فليس لأمير القوم أن يحمل الحقد وإلا لما برأ ساحة العتيد وعفا عنه كأن الشيئ لم يكن واعتبر نفسه ملكا للشعب فاستردها إليهم متجاهلا أن مكائد الأعداء ترصده وكمينا لهم ينتظره بين حين وآخر. للمتنبي مقطع جميل يعبر عن نفسه وأظنه صوابا لأنور حين قال:

كم قد قتلت وكم قد مت عندكم ثم انتفضت فزال القبر والكفن.

تعاطفي وتعاطف أمثالي لأنور لم يكن تعاطفا همجيا منبعثا من الحب الأعمى والتقليد العشوائي كلا والله وإنما ينبعث عن قوة نفوسه وشحامته في الدفاع عن الإسلام وإيقاظ أمته من سبات عميق في لحظته الأولى عندما كان رئيسا لحركة الشباب الإسلامي. ولا أكون محابيا إذا قلت أن والدتي في عنفوان شبابتها لم تكن ساترة للعورة وبدأت تغطي رأسها وأسدلت ثيابها عندما استمال والدي إلى الندوات واللقاءات التي تنظمها الحركة في منطقتي وقتئذ. فهذه المبادرة الكريمة في أواخر السبعينات هي التي استقطبت أسرتي بأكملها بوضع الحجاب والحمشة وفي حين يعتبر الحجاب الشرعي أمر غريب مستهجن ولا تتحجب المرأة سوى وضع السترة الخفيفة على رأسها وبدا منها شعرها متدليا إلى عجزها. عسى الله أن يكتب ذلك في ميزان حسناتهم.

أما أهل العلم في تلك الحقبة تشغلهم جذاذات العقيدة يشرحونها شرحا مستوفيا ويقشرونها تقشيرا دقيقا مداومين عليها زمنا طوالا وهم يبحثون عن الفرق بين جوهر الفرد والجسم. تناولهم أحكام الفقه لا تتجاوز العبادات يدققون أحكام المياه بين مستعملها و مطلقها شهورا عدة و يفحصون عن نية الصلاة فحصا مستميتا بحد إذا جاء حديث العهد بالإسلام ليتعلم أحكامها ولى مدبرا .عجبا من أمرهم اعتناؤهم الشديد لقضية ثانوية تجعل أهلهم حاسرة الرأس كأن ستر العورة واردة فقط أثناء الصلاة لا خارجها.

العمل الإسلامي وما يكتنفه

برأيي العمل الإسلامي داخل ماليزيا بدأ يتجدد ويأخذ مرحلتها الحاسمة بتأسيس هذه الحركة لحل المشكلات والتركيز على العمل الدعوي بالحكمة والنشاطات التوعية في نطاق واسع وشامل بغض النظر عن وجود الحزب الإسلامي بأشكالها وأسمائها فإن جهوده ينحصر على كسب المنتخبين والتأهل على المقاعد البرلامنية ولا يعتني بإصلاح المجتمع الإسلامي الداخلي إلا قليلا.


مساعي هؤلاء الشباب المنخرطين للحركة جديرة بالشكر والعرفان باعتبار الجيل الناشئ وقتئذ جيل فارغ من مقومات الحياة والديانة ويعيشون حياة تقليدية ولا تستجيب للتحديات المعاصرة فاستطاعت الحركة من لم شعثهم والعمل على دور أكثر حيوية وإيجابية متماشيا مع التطلبات الشرعية لإرساء قواعد الدولة وبنائها.

ولعل أهم نشاط استدركه الحركة تحت قيادته تأسيس خضانة الأطفال المسلمين المعروفة ب_تسكي أواخر عقد السبعينات من القرن الماضي وهي الأول من نوعها يتعلم فيها الأطفال الصغار العقائد والأخلاق الإسلامية فأدركت قسط منها وفي حين آخر مثيلتها تدرب الأطفال الرقصات الماجنة والألعاب اللاهية ذهابا للوقت.

العاقبة

لا أحد يقدر أن يتكهن بالمستقبل أمره لله وحده غير أن المفاجئات تلو المفاجئات ستحدث حتما أثناء المحاكمة ما لا يخطر على البال ولا يتصور العقل السليم فإن أصحاب النفوس الخبيثة القذرة تعمل بكل ما لديهم من طاقة لكسب المعركة على حساب دنياهم ونسوا آخرتهم ويحسبون أن العقاب الأليم لا يدرجهم في هذه الحياة الدنيا فحق عليهم الضلالة وحق فيهم القول :

أعد الوضوء إذا نطقت به # متذكرا من قبل أن تنسى

واحفظ ثيابك إن مررت به # فالظل منه ينجس الشمس

الباطل مهما طال زمانه وقويت عزيمته فإنه يذوب ويزول والحق مهما صعب إثباته وتعبت عليه النفوس فإنه يبقى مدى الدهر والعاقبة للمتقين. صبرا يا أهل أنور فإن موعدكم الجنة.